Page 91 - web
P. 91

‫‪438‬‬  ‫إستراتيجية إنشـاء وبنـاء المعـاني‪ :‬وفقـاً لهـذه‬      ‫في صناعـة المخـدرات والاتجـار بهـا‪ ،‬وتعمـل‬          ‫ارتـكاب الجريمـة‪ ،‬و ُتظهـر المجـرم كإنسـان خفيـف‬
     ‫الإستراتيجية فـإن مهمـة وسـائل الإعلام هـي‬           ‫على إثـارة خيـال الأطفـال والمراهقين بشـكل‬          ‫الظل‪ ،‬أو كبطل مظلوم‪ ،‬مما يدعو إلى التعاطف‬
     ‫العمـل على تعديـل المعـاني والصـور والرمـوز‬          ‫يدفعهـم لتقليـد المجرمين‪ ،‬و ُتنمـي لديهـم شـعو ًرا‬  ‫معـه وليـس مـع الضحيـة‪ ،‬وفي المقابـل ُتغفـل‬
     ‫المحيطـة بالإنسـان‪ ،‬وإكسـابه معـاني جديـدة‪،‬‬          ‫جمع ًيـا بالتعاطـف مـع المجرمين‪ ،‬لكـون المجـرم‬      ‫إظهـار الآثـار السـلبية للجريمـة والعقوبـة التـي‬
     ‫ومسـاعدته على ترتيـب القيـم والمعـاني الداخليـة‬      ‫ارتكـب جريمتـه بسـبب ظروفـه الاقتصاديـة أو‬          ‫يتلقاهـا المجرمـون‪ ،‬فالمشـاهد التـي ُتعبر عـن ذلـك‬
     ‫حسـب الأولويـة والأهميـة‪ ،‬واسـتبدال المعـاني‬         ‫الاجتماعيـة‪ ،‬وبالتـالي يتبلـور لديهـم شـعور عـدائي‬  ‫لا ُيفـرد لهـا المسـاحة الزمنيـة الكافيـة ليتذكرهـا‬
                                                          ‫ضـد أجهـزة الشـرطة ورجـال الأمـن واعتبارهـم‬
          ‫والقيـم الخاطئـة بمعـا ٍن وقيـم صالحـة‪.‬‬                                                                         ‫المتلقـي كجـزء مـن المشـهد الكامـل ‪.‬‬
     ‫إستراتيجية الموقـف المشـكك‪ :‬يتـم الاسـتعانة‬             ‫سـلطة متعسـفة تعشـق القمـع والحبـس‪.‬‬              ‫فالإعلام بقصـد أو بـدون قصـد أو لرغبتـه في زيـادة‬
     ‫بهـذه الإستراتيجية في الأزمـات والكـوارث‪ ،‬فهـي‬       ‫مـن الأهميـة بمـكان أن تعـي وتـدرك المؤسسـات‬        ‫عدد المتابعين والحصول على الإعلانات قد أصبح‬
     ‫تعمـل على مسـاعدة النـاس على متابعـة الأحـداث‬        ‫الأمنيـة والتعليميـة والإعلاميـة دور وسـائل‬         ‫ُيشـارك في صناعـة العنـف والجريمـة‪ ،‬مـن خلال‬
     ‫وتحليلهـا لتشـكيل رأي محـدد حيالهـا‪ ،‬فهـي‬            ‫الإعلام في صناعـة وتشـكيل الأنسـاق الاجتماعيـة‬      ‫تتبع الحوادث والجرائم والاهتمام بنشرها عوضاً‬
     ‫تعـرض التهديـدات والأخطـار الناتجـة عـن العنـف‬       ‫وبلـورة سـلوك الأفـراد ‪ ،‬وذلـك مـن خلال تقويـم‬      ‫عن نشر الإنجازات والنجاحات‪ ،‬فالمادة الإعلامية‬
     ‫والجريمة أثناء تعرض الدولة لتهديدات وأخطار‬           ‫الاتجاهـات الإعلاميـة وجعلهـا أكثر إيجابيـة‬         ‫حـول الجريمـة هـي التـي تسـتحوذ على اهتمـام‬
     ‫على أمنهـا‪ ،‬سـواء أكانـت مـن إنتـاج الأوضـاع‬         ‫وتسـخيرها لمحاربـة ومكافحـة الجريمـة عوضـاً عـن‬     ‫المتابعين‪ ،‬فالجرائم التي تحدث على أرض الواقع‬
     ‫الداخليـة المحليـة‪ ،‬أو مـن جهـات خارجيـة لهـا‬        ‫صناعتهـا‪ ،‬ولتفعيـل دور الإعلام بشـكل إيجابـي‬        ‫مـا هـي إلا تطبيـق عملي لحالـة تمثيليـة أو رمزيـة‬
                                                          ‫وفي هـذا الإطـار اعتمـد المتخصصـون على توفري‬        ‫قدمـت عبر الشاشـة أو في الصحـف أو عبر وسـائل‬
              ‫القـدرة على اختراق المجتمـع وقيمـه‪.‬‬         ‫إستراتيجيات متنوعة لتفعيل دور وسائل الإعلام‬         ‫الاتصـال الحديثـة‪ ،‬حيـث يعيـد الفـرد إنتـاج مـا تـم‬
     ‫إن نجـاح الإستراتيجيات الإعلاميـة في تفعيـل‬          ‫على نحـو توافقـي يجمـع بين الأنسـاق الاجتماعيـة‬
     ‫دور الإعلام في مكافحـة الجريمـة مرهـون بقـدرة‬                                                                      ‫مشـاهدته فتتحقـق المأسـاة الحقيقيـة‪.‬‬
     ‫وسـائل الإعلام على الإقنـاع‪ ،‬والقضـاء على‬                                    ‫على النحـو التـالي ‪-:‬‬       ‫وفي كتابـه «أسـباب الجريمـة وطبيعـة السـلوك‬
     ‫التناقـض الموجـود بين قيـم المجتمـع ومـا ُتقدمـه‬     ‫الإستراتيجية الثقافيـة الاجتماعيـة‪ :‬والتـي تقـوم‬    ‫الإجرامـي» يـرى الكاتـب عدنـان الـدوري أن‬
     ‫مـن مـواد وبرامـج‪ ،‬مـن ناحيـة‪ .‬والعمـل على‬           ‫على نظريـة أن سـلوك الفـرد يقـع تحـت سـيطرة‬         ‫الجريمـة هـي بضاعـة إعلاميـة‪ ،‬فلـكل مجتمـع‬
     ‫تنميـة روح المشـاركة والتنسـيق بين الأجهـزة‬          ‫توقعاتـه بالإضافـة إلى الضوابـط الاجتماعيـة‬         ‫أدواتـه التـي يتواصـل مـن خلالهـا‪ ،‬فقـد كان‬
     ‫الأمنيـة وأفـراد المجتمـع‪ ،‬ونشـر الأخبـار ومتابعـة‬   ‫للمجتمـع الـذي يعيـش فيـه‪ ،‬لـذا ينبغـي تحديـد‬       ‫التواصـل في المجتمعـات القديمـة تواصلاً مباشـراً‬
     ‫الفعاليـات المرتبطـة بالجوانـب الأمنيـة‪ ،‬وتعظيـم‬     ‫تلـك الضوابـط والتوقعـات والتركيـز على تقديـم‬       ‫بين الأفـراد‪ ،‬ومـع تطـور العصـر وظهـور وسـائل‬
     ‫دور الأجهـزة الأمنيـة في اسـتتباب الأمـن‪ ،‬وخلـق‬      ‫رسـائل إعلاميـة مقنعـة لمعالجـة أوجـه القصـور‬       ‫التواصـل الجديـدة أصبـح التواصـل غري مباشـر‪،‬‬
     ‫صـورة ذهنيـة إيجابيـة عـن رجـال الأمـن‪ ،‬وتوعيـة‬                                                          ‫عبر الصحـف والمجلات والكتـب الروائيـة والإذاعـة‬
     ‫المواطنين بـكل المسـتجدات في عالـم الجريمـة‪،‬‬                                              ‫فيهـا ‪.‬‬        ‫والتلفزيـون والسـينما‪ ،‬وصـولاً إلى وسـائل‬
     ‫وغـرس المفاهيـم والقيـم الصالحـة في نفـوس‬            ‫الإستراتيجية الديناميكية النفسية‪ :‬والتي تفترض‬       ‫التواصـل الاجتماعـي التـي جعلـت مـن كل فـرد‬
     ‫النـشء‪ ،‬وتحصينهـم مـن الوقـوع في براثـن‬              ‫أن صيغـة التعليـم الأساسـية هـي‪ :‬المؤثـر‪ ،‬الفـرد‪،‬‬   ‫في المجتمـع صحفيـاً ينشـر الأخبـار والأحـداث‬
     ‫الجريمـة‪ ،‬وتوجيـه المواطنين للإجـراءات التـي‬         ‫الاسـتجابة‪ ،‬و ُتركـز الإستراتيجية على العوامـل‬      ‫دون حسـيب ولا رقيـب‪ ،‬وبطبيعـة حـال النفـس‬
     ‫ينبغـي اتباعهـا عنـد تعرضهـم للمخاطـر أو عنـد‬        ‫المكتسـبة لـدى الفـرد والتـي تضـم‪ :‬المفاهيـم‪،‬‬       ‫البشـرية يكـون التركيـز أكبر على نشـر الجرائـم‬
     ‫مشـاهدتهم للجرائـم‪ ،‬والتسـويق للسياسـات‬              ‫الاحتياجات‪ ،‬الدوافع‪ ،‬المعتقدات أسباب القلق‪،‬‬         ‫والأحـداث العنيفـة‪ ،‬ويقـول أحـد أطبـاء الأمـراض‬
     ‫والأنشـطة الأمنيـة المختلفـة‪ ،‬والاسـتطلاع المنتظـم‬   ‫المصالـح القيـم‪ ،‬الآراء والمواقـف‪ ،‬كمزيـج ُمعقـد‬    ‫العقليـة‪« :‬إن نشـر أخبـار الجريمـة بشـكل معين‬
     ‫لآراء المواطنين حـول الخدمـات الأمنيـة بهـدف‬         ‫مـن مكونـات سوسـيولوجية وجدانيـة وإدراكيـة‬          ‫قـد ُيـزود الفـرد بأفـكار إجراميـة جديـدة‪ ،‬أو‬
     ‫تقييمهـا وتطويرهـا وقيـاس مسـتوى الرضـا عنهـا‪،‬‬       ‫قابلـة للتعديـل عكـس الخصائـص البيولوجيـة‬           ‫تضاعـف اسـتعداده أو يلهـب غريـزة كامنـة فيـه أو‬
     ‫والاطلاع على مـا تنشـره وسـائل الإعلام الخارجيـة‬     ‫التـي مـن الصعـب أو المسـتحيل تعديلهـا‪ .‬ممـا‬        ‫يهيـئ لـه الإطـار الـذي يبرر لـه ارتـكاب الجريمـة»‪.‬‬
     ‫وتوعيـة المجتمـع بالأخبـار الزائفـة التـي قـد تؤثـر‬  ‫يتطلـب أن ُتقـدم وسـائل الإعلام المعلومـات‬          ‫وتعمـل وسـائل الإعلام على تعليـم النـاس‬
                                                          ‫التـي يمكـن اسـتخدامها بفعاليـة للسـيطرة على‬        ‫أسـاليب متطـورة لارتـكاب الجرائـم كالوسـائل‬
             ‫سـلباً على تكويـن الآراء والاتجاهـات‪.‬‬        ‫السـلوك البشـري والتأثري على العوامـل الإدراكيـة‬    ‫الحديثـة في سـرقة السـيارات‪ ،‬والطـرق المبتكـرة‬

                                                                  ‫للفـرد‪ ،‬وتعديـل خصائصـه النفسـية‪.‬‬

     ‫‪91‬‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96